mercredi 18 avril 2012

تابوه رخصة البناء


غالبا ما يتم تداول الحديث على إشكالية  رخصة البناء وسبل الحصول عليها في المقاهي... و حديث المقاهي كثيرا ما يتضمن المغالطات و المبالغات و التأويلات و التشكيك و الإشاعات و إسقاط التجارب الشخصية و تعميمها...و هكذا تتحول المقاهي مرتعا للدجل الهندسي و ما أكثرهم الدجالون المولعون بلعب دور المتفقه في التعمير والبناء.
لم أستطع أن أستوعب لماذا نتحاشى الحديث عن إشكاليات  قوانين التعمير بوضوح و موضوعية و ببساطة.  و لماذا خلقنا من ملف التدبير الحضري تابوها  نتفادى الحديث عنه علانية و أمام الملأ؟
ربما هو ملف يشعرنا بالذنب... كل الفرقاء أو كل صناع المدينة من مواطنين و مهندسين معماريين و مقاولين و منتخبين و مؤسسات و سلطات عمومية يشعرون بأعماقهم بنوع من الحرج لأنهم يدركون أنهم مسئولون بطريقة ما و لكن في نفس الوقت  يشعرون بالارتياح لأنهم مقتنعون تماما أنهم لا يتحملون مطلق المسؤولية.
و لهذا  سنجد مختلف هؤلاء الفرقاء متى اجتمعوا ليتدارسوا ملف التعمير في أشد حالة التأهب و التوتر و التركيز كمن سيشارك في مباراة لكرة الطاولة... حيث في الغالب، هاجس كل طرف هو إبعاد الكرة عن ملعبه...
 و ربما أيضا هو ملف غالبا ما يتم تسييسه بشعبوية... فملف التدبير الحضري كثيرا ما يكون مصيره مرتبطا بسياسات و حسابات صغيرة ضيقة  لا تخدم إلا المصالح الشخصية و الآنية... بيد أن ملف التعمير لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية ملموسة إلا إذا تم الاعتراف به و التعامل معه كأداة ووسيلة في خدمة السياسة الكبرى بمفهومها الشمولي و الإنساني المؤثر... 
فالمواطن يتفنن في لعب دور الضحية المغلوب على أمره... أكثر من ذلك،  و ربما هذا هو الاستثناء المغربي، المواطن المغربي وحده القادر على   الاستيلاء على آراضي الدولة و أراضي الجموع بل و حتى أراضي الخواص و إنشاء بنايات عشوائية فوقها في خرق صارخ للقانون و لكل الأعراف، و إذا قامت السلطات العمومية بالتدخل لإرجاع الحقوق لذويها، أخذ المحتلون بعد أن منحوا لأنفسهم صفة "الساكنة و موالين الدار"   يتباكون تارة و يقذفون الحجارة على لجنة الهدم تارة أخرى و ينشرون مقاطع فيديو عملية الهدم على اليوتوب و يصوروا العملية للرأي العام كعدوان غاشم ضد الساكنة المقهورة المسلوبة الإرادة... بل يذهبون أكثر من ذلك ، إنهم قادرون على أن يطالبوا المجتمع المدني بالتضامن و التعاطف مع قضيتهم "العادلة" المتمثلة بالتهجم على أراضي الغير، وذلك  بجمع  التوقيعات للتنديد بعملية الهدم و لم لا تنظيم وقفات احتجاجية لإسماع صوتهم أكثر و مواصلة مسلسلهم النضالي من أجل مزيد من الكرامة و العدالة الاجتماعية و من أجل ترسيخ دولة الحق و القانون . 
إن التسييس الشعبوي لملف التعمير سنلمسه  أيضا في الحملات الانتخابية و في التسيير الجماعي. و هكذا من أجل الظفر بمقعد برلماني، لن يجد المرشح أي حرج  في استغلال سذاجة المواطنين و يتزايد معهم على رخص البناء حتى و إن كان البرلماني في الأصل ليس من اختصاصه منح تراخيص البناء. كما أنه أثناء كل حملة انتخابية يكثر البناء العشوائي بشكل مثير و كذا رخص البناء الانفرادية. المفارقة المريرة هي أن هذه التراخيص في غالب الأحيان لا تحترم معايير التعمير. بمعنى إذا كان قانون التعمير يحترم المواطن المغربي و يمنحه حقوقا في مجال التعمير تليق بكرامته و إنسانيته من تجهيزات و مساحات خضراء و مرافق عمومية وطرق معبدة و عريضة فإن المواطن المغربي ليس فقط يتنازل عن كل هذه الحقوق بقبوله بتراخيص بئيسة  و لكن أيضا يصوت و يزكي و يبارك على من سلبوه حقه الطبيعي في تعمير صحي و آمن.
إن ملف التعمير ملف شائك و معقد ليس فقط في المغرب و لكن في العالم أجمع. أولا لأنه يمس و يتقاطع مع جميع القطاعات من قطاع السكن و الصحة و التعليم و الثقافة و التجهيز و البيئة... و ثانيا لأن عليه أن يجيب على  حاجيات المجتمع الآنية و أيضا عليه أن يخطط  لتصوره للمجتمع و كيف يتخيل المدينة و سكانها في المستقبل ، كمثال على ذلك يصعب أن نشجع المواطن على الاستهلاك و إنعاش الاقتصاد إذا لم ننتج له مدينة تغريه  و تقترح عليه نمطا و أسلوبا جديدين للحياة  مبني على تسويق المدينة  كفضاء للاستمتاع  و الاستهلاك.
إن مواصلة تدبير ملف التعمير بنفس الطرق التقليدية القديمة لا يمكن أن يوصلنا إلا إلى نفس هذه النتائج المحدودة التي تشهد على سلبيتها مدننا. فنحن نحتاج إلى معالجة جديدة جريئة لملف التعمير، كما أنه  علينا أن نتحرر من عقدة الذنب و أن نتوقف عن البحث عن أكباش الفداء. فالمدينة حتى تتطور إيجابيا عليها أن تتصالح و تتفاعل جديا و فعليا  مع كل الفرقاء و الشركاء الذين يساهمون في صناعتها.
علينا ن ندرك أن  أعداؤنا الحقيقيون هم في الغالب غير مرئيين لأنهم عبارة عن أفكار و رؤى و سلوكات قيدتنا و سجنتنا و أصبحنا ندور في فلكها بدون 
خلاص، أعداؤنا الحقيقيون عبارة عن مفاهيم و اعتقادات خاطئة. .. إن كل ما نحتاج إليه هو تغيير المفاهيم فقط

أمل مسعود مهندسة معمارية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire