mercredi 18 avril 2012

" المتهندسون"


في طفولتي كنت أقطن منزلا بتصميم عجيب׃ المرحاض يوجد في آخر  الفناء و عليه في الشتاء يجب أن أذهب إلى بيت الراحة و المضلة في يدي، كانت توجد بالمنزل غرفة بلا نوافذ أطلقنا عليها " البيت الاكحل"، و بالمنزل كان يوجد قبو مظلم للوصول إليه يجب أن تمر بدهليز طويل مظلم لم نكن نجرؤ على الوصول إليه و هكذا أصبح جحرا للفئران.
أمي كانت دائما تسب المهندس صاحب التصميم و أبي كان يقول أنه عند شرائه القطعة الأرضية، البلدية قدمت له تصميما بخمسمائة درهم بدعوى أن البلدية قامت بإنجاز تصميم موحد للحي بأكمله.
كان يجب أن أدرس الهندسة المعمارية و أشتغل بالإدارة المغربية لأفهم أن الجمل  الأثيرة- " خديت البلان من البلدية" أو " البلان ديال البلدية"- التي يرددها جل المواطنين كلما  سألتهم عن المهندس الذي صمم منزلهم، هي جمل تحمل في طياتها كثير من الجهل بقوانين التعمير و تغفل المواطنين عن حقوقهم الإدارية مما يجعلهم عرضة للنصب و الاحتيال.   
فالبلدية " كترخص البلان فقط". المهندس المعماري الذي يزاول بالقطاع الخاص هو وحده من له حق إنجاز التصميم الهندسي و ملزم قانونيا بتتبع الأشغال و التأكد من توافقها مع التصميم.
ولكن المواطن للأسف لا يهتم بمحتوى التصميم لأنه أصلا لا يجيد قراءته. التصميم لا يعني له أكثر من " الكارط الأزرق مختوم بالرأي المطابق"،  التصميم الهندسي للأسف عند الأغلبية الساحقة عبارة عن وثيقة إدارية لا مفر منها للحصول على رخصة البناء.  المواطن إذا طرق باب مكتب المهندس المعماري فليس لأنه مقتنع بعمله و بالقيمة المضافة التي سيمنحها لمشروعه و لأرضه، و لكن فقط لأنه مضطر لذلك ولم يهتد لمسلك آخر.
هذا الأمر محير لأنه ليس منطقيا البتة، خاصة عندما نتأمل سلوك المغاربة في مواقف مماثلة׃ السيدة  منا إ ذا اشترت ثوبا  تبذل مجهودا خرافيا للبحث عن الخياط الأمثل، تستعين بالمجلات، بالجارات،   برأي الخياطين و الخياطات... تهتم بكل كبيرة و صغيرة تخص فصالة و حياكة ثوبها. مستعدة للدفاع عن ثوبها  من الضياع و التلف وويل للخياط الذي  لم يحسن فصالة جلبابها.
يحدث هذا في ثوب لا يتعدى ثمنه مئات الدراهم أما في أرض تساوي الملايين و في أحيان كثيرة الملايير و تبنى بعشرات الملايين يحدث النقيض تماما׃ في الأغلبية العظمى صاحب الأرض يكتفي بتصميم متهندس بالإدارة المسئولة بتسليم تراخيص البناء. صاحب المشروع ليس ساذجا و لكن يقع ضحية فطنته    الزائدة عن حدها: إنه يعلم أنه إذا لم يستسلم لابتزاز ومضايقات المتهندس و دعوته الصريحة بأن يتكلف  بمشروعه فإنه سيعاني الكثير قبل الحصول على رخصة البناء و ربما لن يحصل عليها أبدا. ولكنه يتناسى أنه بإذعانه سيتحمل وحده وطول عمره رداءة التصميم و أخطاء يصعب إصلاحها.
إن سماسرة البناء و مشعوذي الهندسة المعمارية لا يهتمون بجودة التصميم لأنهم يملكون صلاحية البث فيه. تماما كمن يسوق لحوما فاسدة لأنه متأكد تماما من قدرته على بيعها ومن وجود المغفل الذي سيشتريها.
من أغرب ما سمعت في حياتي، عندما سألت من باب الفضول أحد المتهندسين عن سر رداءة المشاريع المقترحة من حيث الإنجاز ، رده الذي يشبه النكتة   بكونهم لا يملكون الوقت للتصميم و التخطيط نظرا لكثرة المشاريع المنهالة عليهم، ولهذا فإنهم يكلفون تقنيا بسيطا يعيش في بادية مجاورة برسم التصاميم مقابل مائتي درهم  . و أضاف بابتسامة ماكرة أنه يمكن تخيل الظروف التي يرسم فيها التصميم׃ غالبا فوق مائدة الطعام أو فوق "القصعة دكسكسو". " أش كاتسينو من بلان كيترسم فوق القصعة دكسكسو؟"
الظاهرة للأسف منتشرة في جميع أنحاء المغرب و يصعب التغلب عليها لأنها مرتبطة بوعي الزبون و بمدى إيمانه بالاحترافية.
الهندسة المعمارية مهنة حديثة العهد في المغرب، و لهذا السبب المغاربة لم يتقبلوا بعد دور المهندس المعماري.
الأطباء عانوا الأمرين في الماضي بعدم اكتراث المواطنون لهم و تفضيل الدجالين و المشعوذين عليهم، و لكنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي. نظموا قافلات تطوعية في البوادي و الأحياء الهامشية، أنجزوا برامج و ندوات تحسيسية، وزعوا الأدوية بالمجان، عرفوا بالبعد الإنساني و الاجتماعي لمهنتهم. مستو صفاتنا المزدحمة اليوم كالأسواق خير دليل على نجاحهم الساحق في اكتساب ثقة المواطنين لهم.       
أما مهندسونا فإنهم يفضلون التحدث بالفرنسية في مجتمع تسوده الأمية و التحدث عن مشاكل المهنة في فنادق الخمس نجوم " مع بعضياتهم". لجوء المواطن إلى متهندس في القطاع العام  هو رد فعل طبيعي لأنه يخاطبهم بلغة و بأسلوب يستوعبونه. المتهندس لا ينسى بين الفينة و الأخرى أن يشفي غليلهم في احتقار دور المهندس المعماري ׃ " المهندس غير كيخور و مافاهم والو..". بل الأدهى في أحيان كثيرة يعرقل مشروعه " بسير حتى تجي " و كأنه يقول لصاحب المشروع " إو خلي المهندس ديالك يعطيك الرخصة..إو شتي إذا اكنت جيتي عندي من الأول كراك سكنتي دابا..."
في حقيقة الأمر لا يوجد فرق كبير بين مهندس القطاع الخاص و متهندس القطاع العام فكلاهما يملكان "الطابع". الفوارق شكلية فقط ولا تستحق أن نقف عليها أو نعيرها أدنى اهتمام׃ متهندسو القطاع العام لا يحتاجون إلى دبلوم في الهندسة المعمارية و غير مجبرين حتى بدراستها, لا يحتاجون إلى ترخيص لمزاولة المهنة، كما أنهم معفيون من دفع الضرائب وفي غنى عن التكوين المستمر و تطوير الكفاءة وغير مطالبين البتة بالجودة 
ولا حتى باحترام معايير  و قوانين البناء.

مسعود أمل

تابوه رخصة البناء


غالبا ما يتم تداول الحديث على إشكالية  رخصة البناء وسبل الحصول عليها في المقاهي... و حديث المقاهي كثيرا ما يتضمن المغالطات و المبالغات و التأويلات و التشكيك و الإشاعات و إسقاط التجارب الشخصية و تعميمها...و هكذا تتحول المقاهي مرتعا للدجل الهندسي و ما أكثرهم الدجالون المولعون بلعب دور المتفقه في التعمير والبناء.
لم أستطع أن أستوعب لماذا نتحاشى الحديث عن إشكاليات  قوانين التعمير بوضوح و موضوعية و ببساطة.  و لماذا خلقنا من ملف التدبير الحضري تابوها  نتفادى الحديث عنه علانية و أمام الملأ؟
ربما هو ملف يشعرنا بالذنب... كل الفرقاء أو كل صناع المدينة من مواطنين و مهندسين معماريين و مقاولين و منتخبين و مؤسسات و سلطات عمومية يشعرون بأعماقهم بنوع من الحرج لأنهم يدركون أنهم مسئولون بطريقة ما و لكن في نفس الوقت  يشعرون بالارتياح لأنهم مقتنعون تماما أنهم لا يتحملون مطلق المسؤولية.
و لهذا  سنجد مختلف هؤلاء الفرقاء متى اجتمعوا ليتدارسوا ملف التعمير في أشد حالة التأهب و التوتر و التركيز كمن سيشارك في مباراة لكرة الطاولة... حيث في الغالب، هاجس كل طرف هو إبعاد الكرة عن ملعبه...
 و ربما أيضا هو ملف غالبا ما يتم تسييسه بشعبوية... فملف التدبير الحضري كثيرا ما يكون مصيره مرتبطا بسياسات و حسابات صغيرة ضيقة  لا تخدم إلا المصالح الشخصية و الآنية... بيد أن ملف التعمير لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية ملموسة إلا إذا تم الاعتراف به و التعامل معه كأداة ووسيلة في خدمة السياسة الكبرى بمفهومها الشمولي و الإنساني المؤثر... 
فالمواطن يتفنن في لعب دور الضحية المغلوب على أمره... أكثر من ذلك،  و ربما هذا هو الاستثناء المغربي، المواطن المغربي وحده القادر على   الاستيلاء على آراضي الدولة و أراضي الجموع بل و حتى أراضي الخواص و إنشاء بنايات عشوائية فوقها في خرق صارخ للقانون و لكل الأعراف، و إذا قامت السلطات العمومية بالتدخل لإرجاع الحقوق لذويها، أخذ المحتلون بعد أن منحوا لأنفسهم صفة "الساكنة و موالين الدار"   يتباكون تارة و يقذفون الحجارة على لجنة الهدم تارة أخرى و ينشرون مقاطع فيديو عملية الهدم على اليوتوب و يصوروا العملية للرأي العام كعدوان غاشم ضد الساكنة المقهورة المسلوبة الإرادة... بل يذهبون أكثر من ذلك ، إنهم قادرون على أن يطالبوا المجتمع المدني بالتضامن و التعاطف مع قضيتهم "العادلة" المتمثلة بالتهجم على أراضي الغير، وذلك  بجمع  التوقيعات للتنديد بعملية الهدم و لم لا تنظيم وقفات احتجاجية لإسماع صوتهم أكثر و مواصلة مسلسلهم النضالي من أجل مزيد من الكرامة و العدالة الاجتماعية و من أجل ترسيخ دولة الحق و القانون . 
إن التسييس الشعبوي لملف التعمير سنلمسه  أيضا في الحملات الانتخابية و في التسيير الجماعي. و هكذا من أجل الظفر بمقعد برلماني، لن يجد المرشح أي حرج  في استغلال سذاجة المواطنين و يتزايد معهم على رخص البناء حتى و إن كان البرلماني في الأصل ليس من اختصاصه منح تراخيص البناء. كما أنه أثناء كل حملة انتخابية يكثر البناء العشوائي بشكل مثير و كذا رخص البناء الانفرادية. المفارقة المريرة هي أن هذه التراخيص في غالب الأحيان لا تحترم معايير التعمير. بمعنى إذا كان قانون التعمير يحترم المواطن المغربي و يمنحه حقوقا في مجال التعمير تليق بكرامته و إنسانيته من تجهيزات و مساحات خضراء و مرافق عمومية وطرق معبدة و عريضة فإن المواطن المغربي ليس فقط يتنازل عن كل هذه الحقوق بقبوله بتراخيص بئيسة  و لكن أيضا يصوت و يزكي و يبارك على من سلبوه حقه الطبيعي في تعمير صحي و آمن.
إن ملف التعمير ملف شائك و معقد ليس فقط في المغرب و لكن في العالم أجمع. أولا لأنه يمس و يتقاطع مع جميع القطاعات من قطاع السكن و الصحة و التعليم و الثقافة و التجهيز و البيئة... و ثانيا لأن عليه أن يجيب على  حاجيات المجتمع الآنية و أيضا عليه أن يخطط  لتصوره للمجتمع و كيف يتخيل المدينة و سكانها في المستقبل ، كمثال على ذلك يصعب أن نشجع المواطن على الاستهلاك و إنعاش الاقتصاد إذا لم ننتج له مدينة تغريه  و تقترح عليه نمطا و أسلوبا جديدين للحياة  مبني على تسويق المدينة  كفضاء للاستمتاع  و الاستهلاك.
إن مواصلة تدبير ملف التعمير بنفس الطرق التقليدية القديمة لا يمكن أن يوصلنا إلا إلى نفس هذه النتائج المحدودة التي تشهد على سلبيتها مدننا. فنحن نحتاج إلى معالجة جديدة جريئة لملف التعمير، كما أنه  علينا أن نتحرر من عقدة الذنب و أن نتوقف عن البحث عن أكباش الفداء. فالمدينة حتى تتطور إيجابيا عليها أن تتصالح و تتفاعل جديا و فعليا  مع كل الفرقاء و الشركاء الذين يساهمون في صناعتها.
علينا ن ندرك أن  أعداؤنا الحقيقيون هم في الغالب غير مرئيين لأنهم عبارة عن أفكار و رؤى و سلوكات قيدتنا و سجنتنا و أصبحنا ندور في فلكها بدون 
خلاص، أعداؤنا الحقيقيون عبارة عن مفاهيم و اعتقادات خاطئة. .. إن كل ما نحتاج إليه هو تغيير المفاهيم فقط

أمل مسعود مهندسة معمارية

محضر جلسة

محضر جلسة

 16/04/2012

تم الإلتقاء يوم الإثنين بين الزملاء المهتمين بمشاكل رخص البناء من طرف المجلس الجهوي


وتم مناقشةالمشاكل التي يتعرض لهم المهندس المعماري و إقترحنا الحلول التالية

.تقديم إتفاق يحتوي على السعر الأدنى في التصميم حتى يمضي عليه جميع المهندسين و يتعهدون بعدم الإخلال بهذا الإتفاق.-

.جمع القوانين الأخيرة التي تعتمد في البلديات في صفحة إلكترونية-

.إتحاد المهندسين حتى يتم إصلاح الوضع الساري في الإدارة-


               محمد تريكي
                عماد الكشو
                سليم اللوز
              صلاح إدريس